الحليب هو المصدر الاساسي والوحيد لتغذية الطفل في الاشهر الاولى من حياته ، وأفضل الحليب حليب الاَُم لاَنّ عملية الرضاعة لها تأثيرها على الجانب العاطفي للطفل ، والام أفضل من تمنحه الحنان والدفىء العاطفي بدافع غريزة الامومة التي أودعها الله تعالى في المرأة ، حيثُ (تصب ركائز مشاعر الطفل وأحاسيسه من أولى أيام الرضاع) (1)
وتتوثق أواصر المحبة بين الطفل وأمه عن طريق الرضاعة ، فيكون الطفل أقل توتراً وأهنأ بالاً وأسعد حالاً (2)
وجاءت روايات أهل البيت عليهم السلام ووصاياهم مؤكدّة على التركيز على حليب الاَم ، قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : « ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه » (3)
فحليب الاَُمّ أفضل غذاء للطفل من الناحية العلمية اضافة إلى أنَّ عملية الرضاعة يشعر الطفل من خلالها بالامان والطمأنينة والرعاية ، وفي الحالات الاستثنائية التي تعيق عملية الرضاعة بسبب قلة حليب الام أو مرضها أو فقدانها بطلاق أو موت ، أكدّ أهل البيت عليهم السلام على اختيار المرضعة المناسبة والملائمة ضمن مواصفات معينة ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « انظروا من ترضع أولادكم فان الولد يشبُّ عليه » (4)
فالحليب ونوعية المرضعة يؤثر على الطفل من ناحية نموه الجسدي والنفسي. وقد أثبتت التجارب صحة تعاليم أهل البيت في هذا المجال.
وهنالك مواصفات عند المرضعة حبذها أهل البيت عليهم السلام في الاختيار.
قال الاِمام محمد الباقر عليه السلام : « استرضع لولدك بلبن الحسان ، وإياك والقباح فان اللبن قد يعدي » (5)
وقال : « عليكم بالوضاء من الظّؤرة فان اللبن يعدي » (6)
وجاء النهي عن استرضاع الطفل عند بعض المرضعات ، فنهى الاِمام جعفر الصادق عليه السلام عن الاسترضاع عند المجوسية ، فعن عبدالله بن هلال قال : سألته عن مظائرة المجوسي ، فقال : « لا ، ولكن أهل الكتاب » (7)
وجعل الاسترضاع من الكتابيات مشروطاً بمنعهنّ من شرب الخمر : فقال عليه السلام : « اذا أرضعن لكم فامنعوهنّ من شرب الخمر » (
وعن علي بن جعفر عن الاِمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام قال : سألته عن الرجل المسلم ، هل يصلح له أن يسترضع اليهودية والنصرانية وهنّ يشربن الخمر ؟ قال : « امنعوهنّ من شرب الخمر ، ما أرضعنّ لكم » (9)
ونهى الاِمام جعفر الصادق عليه السلام من الاسترضاع من المرأة الزانية والتي تكوّن لبنها بسبب الزنا فقال : « لا تسترضعها ولا ابنتها » (10)
وقال الاِمام محمد الباقر عليه السلام : « لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحبّ الي من لبن ولد الزنا » (11)
والحكمة في النهي هو تأثير اللبن على طباع الطفل ، فالمرأة الزانية تعيش حالة القلق والاضطراب النفسي والشعور بالاثم والخطيئة من أول يوم انعقاد الجنين ، وتبقى على هذه الحالة في جميع فترات الحمل وفي أثناء الولادة ، وهذا القلق والاضطراب يؤثر في التوازن الانفعالي للطفل.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالوقاية من لبن البغيّة والمجنونة فقال : « توقوا على أولادكم من لبن البغيّة والمجنونة فان اللبن يعدي » (12)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « لا تسترضعوا الحمقاء فان الولد يشبّ عليه » (13)
وقال الاِمام محمد الباقر عليه السلام : « إنّ علياً كان يقول : لا تسترضعوا الحمقاء ، فان اللبن يغلب الطباع » (14)
ويؤكد علماء الطب على أن تكون الام مستريحة وهي تقوم بعملية الرضاعة ثم تمس برفق وجنة الطفل ، ويجب ألا تحاول الام إرغامه على توجيه رأسه نحو ثديها لاَن ذلك يربكه ويحيره (15)
ووضع أهل البيت عليهم السلام برنامجاً في اسلوب الرضاعة ومدتها ، وهو الرضاع من جهتين وإطالة مدتها إلى واحد وعشرين شهراً ، قال الاِمام جعفر الصادق لاَُمّ اسحاق بنت سليمان : « يا أمّ اسحاق لا ترضعيه من ثدي واحد وأرضعيه من كليهما يكون أحدهما طعاماً والآخر شراباً » (16)
وقال عليه السلام : « الرضاع واحد وعشرون شهراً فما نقص فهو جور على الصبي » فطول مدة الرضاعة له تأثير ايجابي على الوضع النفسي والعاطفي للطفل ، وهي أهم المراحل في البناء العاطفي للطفل حيثُ تحتضن الاَم طفلها وتضمه إلى صدرها ، فيشعر بالحنان المتواصل والدفىء العاطفي ، وفي هذا الصدد تقول عالمة النفس لويز كابلان : (إنّ الطفل الذي ينعم بحنان أمه المتدفق خلال العام الاَول والثاني من عمره يشعر بالامان ، وعادة لا يشعر بالقلق أو الخوف فيتصرّف بتلقائية عندما يبلغ سن الثالثة أو الرابعة ، والطفل الذي يشعر بالطمأنينة يتمتع بالثقة بالنفس ويتعامل مع الاخرين بسهولة ويندمج مع الاطفال في مثل عمره) (18). ومناغاة الطفل في هذه المرحلة ضرورية للطفل تؤثر على نموه اللغوي ونموه العاطفي في المستقبل ، فكانت فاطمة الزهراء عليها السلام تناغي الحسن عليه السلام وتقول :
أشبه أباك يا حسن واخلع عن الحق الرّسن
واعبد إلهاً ذا منن ولا توالِ ذا الاِحن
وكانت تناغي الحسين عليه السلام :
أنت شبيهٌ بأبي لست شبيهاً بعلي (19)
وأكدّ أهل البيت عليهم السلام كما تقدم على اقامة علاقات المودّة والحب بين الوالدين ، وتجنّب المشاكل التي تؤثر على الصحة النفسية لكليهما وللام على وجه الخصوص ، لانعكاس انفعالاتها المتشنجة واضطرابها النفسي على الطفل في مرحلة الرضاعة. وفي هذه المرحلة أوصى أهل البيت عليهم السلام بالاهتمام بغذاء الاَم المصدر ، الاساسي لتكوين الحليب من حيثُ الكمية والنوعية ، وكان التركيز على التمر في إطعام الاَم لتأثيره على الرضيع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ليكن أول ما تأكل النفساء الرّطب .. » قيل : يا رسول الله فان لم يكن أوان الرطب ؟ قال : « سبع تمرات من تمر المدينة ، فان لم يكن فسبع تمرات من تمر أمصاركم » (20)
وأوصى الاِمام جعفر الصادق عليه السلام بأكل أحد انواع التمر وهو البرني فقال : « اطعموا البرني نساءكم في نفاسهنّ تحلم أولادكم » (21)
وفي رواية عنه عليه السلام : « اطعموا نساءكم التمر البرني في نفاسهنّ تجمّلوا أولادكم »
ووضع أهل البيت عليهم السلام لائحة بالمواد الغذائية المهمة في النمو والصحة فخبز الشعير وقاية من الامراض ، وسويق الحنطة ينبت اللحم ويشد العظم ويسهل الهضم ، وسويق العدس يسكّن هيجان الدم ويقلّل من حرارة الجسم ، واللحوم وخصوصاً لحم الدراج يقلل من الغضب ، والهريسة تنشط الجسم وتمنحه الحيوية ، والزيتون يطرد الرياح ، والعنب يقلل الغضب ، والسفرجل يقوّي القلب والخس يصفي الدم ، كما أكدوا على العسل والبيض واللبن وسائر انواع الفواكه. وتنتقل فوائد هذه المواد الغذائية من الاَم إلى الطفل عن طريق الحليب المتكوّن منها.
وخلاصة القول يجب الاهتمام بالاسترضاع من حليب الام ، فاذا تعذّر فيجب اختيار المرضعة المؤمنة السالمة من الامراض الجسدية والنفسية ، واذا تعذّر فتسترضع غير المؤمنة بشرط منعها من شرب الخمر وكل ما يضرّ بصحة الطفل ، والاهتمام بالصحة النفسية للاَم والاهتمام بصحتها الجسدية ، واشباع حاجتها إلى الطعام الضروري في انتاج الحليب النقي والغني بالمواد الغذائية الضرورية لينعكس ذلك ايجابياً على صحة الطفل النفسية والجسدية.